فريق الموقع السبت, 01 هانيبال 2009 21:36
لقد كان على الدوام تعدد الأخطار وتنوع الرؤى والإجتهادات، سنة مؤكدة من سنن الإجتماع البشري وطبيعة راسخة من طبائع العمران حسب تعبير إبن خلدون ، وليس من شك في أن ذلك في صورته العامة دليل على حيوية المجتمعات وحيويتها وثرائها متى ما كان هذا التنوع والتعدد مندرجاً في إطار وحدة تضمن أن لا يتحول هذا الثراء والتنوع إلى عامل تناحر وفرقة وتفتت تتحول بفعله هذه السمه الإيجابية في المجتمع إلى حالة سلبية تشكل خطراً أكيداً وحقيقياً على سلامة المجتمع وأمنة وحياته. لذلك يصبح من الضروري لأي مجتمع وهو يمور بتنوعاته وتعدد الآراء والأفكار فيه أن يتحسس جيداً ويعي بصورة فائقة من الإدراك عوامل الجمع والوحدة فيه والتي تضمن أن يكون هذا التعدد والتنوع هو ثراء وغنى داخل لوحة واحدة متناغمة تشكل ألوانها المتنوعة مصدر جمالها حيث إنه وبدون هذا الإطار الجامع الموحد وفي ظل عالم تتصارع فيه المصالح سيكون من السهل جداً أن تتحول التنوعات داخل المجتمع إلى صيغ تناحرية تدمر المجتمع وتحوله إلى شظايا بائسة تفتقد إلى شروط الحق في الحياة والتطور والنمو (والأمثلة الدامية والفاجعة من حولنا كثيرة لا يحتاج إدراكها إلى كثير جهد أو عناء).
وإذا ما نظرنا لمجتمعنا الليبي اليوم فإننا سريعاً ماندرك بأنه ليس خارج سنن الحياة والإجتماع البشري وعمرانه ولأمكننا ببساطة أن نقرر بأن هذا المجتمع كغيره من المجتمعات يحفل بالثقافي والفكري وتعدد اجتهادات أبنائه وأي تتبع أولي لتحديد مكونات هذا التنوع الفكري سيقودنا بسهولة إلى القول بأن تجليات ذلك في المجتمع يمكن أن تندرج ضم الخطوط الرئيسة الآتية :
* منظومة الأفكار والمبادئ التي تحددها التجربة الثورية في ليبيا واطروحاتها الفكرية (والتي كانت ولازالت حركة اللجان الثورية تعبيرها السياسي الإجتماعي المؤسسي)
* منظومة من المفاهيم والإجتهادات الفكرية التي تسعى إلى تأسيس مرجعية إسلامية (بالمعنى السياسي) والتي يمكن إدراجها ضمن ما اكتسب تسميته تاريخية (بغض النظر عن دقتها والتفاصيل المنهجية لمصدرها) هي ما يصطلح عليه عادة بفكر (الإخوان المسلمين) وما تفرغ عنه بحكم ظروف تاريخية وسياسية عديدة من تيارات (إسلامية جهادية) كان مثلها في ليبيا ماسمي (بالجماعة الإسلامية المقاتلة) والتي استطاعت بحكم المراجعات الجريئة والشجاعة للمنتمين إليها مؤخراً أن تسلخ عنها ثوب التطرف العدمي والرفض العدواني للمجتمع ولتستعيد معنى (الفكرة) عندما تكون نتاج عقل يعي حرمة دم الإنسان ويدرك أن الفكر لا سلاح له إلا الفكر.. والحرية.
* منظومة من الرؤى والأفكار المتنوعة التي تحفل بها عقول مجموعة من الفعاليات الفكرية والثقافية في المجتمع والتي تنخرط بصورة أو بأخرى في مؤسسات وهيئات ومنظمات وطنية من نقابات وروابط وغيرها أو كشخصيات فكرية وثقافية لها موقعها ووزنها في مجمل الخريطة الثقافية للمجتمع.
* إجتهادات وأفكار ورؤى تتخلق في ثرى هذا الوطن تعبر عن طموحات جيل شاب ولد مع الثورة ونما عبر مراحل كفاحها وهو الآن يبلغ سن رشده ونضجه وهو يلج عامة الأربعين مع الثورة ويسعى لأن يؤطر نفسه في سياق شبابي مؤسسي من خلال منظمة الشباب الليبي بكل مكوناتها. أن هذه المكونات بصورة عامة يمكن أن تعتبر الترجمة الإجتماعية والثقافية لتنوعات مجتمعنا ،وهي تنوعات تعكس كما سلف القول حيوية وثراء المجتمع شريطه أن تعي الوحدة التي تجمعها وهي وحدة يجب أن تتجاوز حدود الشعار العام والمفهوم الفضفاض إلى إطار محدد الملاح لتكون وحدة فاعلة تجمع المتعدد وتضمن عدم تحوله إلى حال التبعثر والتناحر . وبدون كثير عناء يمكننا استعادة القواسم المشتركة والخطوط الرئيسية التي أشار إليها السيد " سيف الإسلام معمر القذافي " في كلمته في المهرجان الشبابي بمدينة بنغازي 20 / 8 / 2007 مسيحي . والملخصة في :
* الوطن ووحدته الترابية والاجتماعية
* الإسلام كدين وهوية ثقافية وحضارية للمجتمع
* معمر القذافي قائد الثورة وباني ليبيا الحديثة في سياق المشروع الثوري الحضاري . إن هذه المقومات الثلاثة هي مايجب أن تشكل حدود الإطار الجامع الذي يستوجب أن تكون ضمنه كل الرؤى والتنوعات الفكرية والثقافية في المجتمع . ولكي تكون هذه المقومات الثلاثة إطاراً جامعاً فعلاً وليست مجرد شعارات لابد أن يتأسس وعي حقيقي بمعانيها الجامعة والموحدة .
* فالوطن كجامعة وطنية ليس مجرد رقعة جغرافية يعيش عليها بشر ، بقدر ماهو معنى تاريخي يحمل مفاهيم العيش المشترك الذي نسج عبر تاريخ طويل نسيجاً اجتماعياً متلاحماً تتحول بموجبه الرقعة الجغرافية إلى حق مشاع لجميع أهله لاتمايز بينهم في الانتماء إليه والانتفاع بخيراته والحرية في التنقل عبره ، وبالتالي سيكون أي تهديد أو مساس بجزء منه هو تهديد ومساس بكل أجزائه الأخرى ، وتتساوى في ميزان الانتماء والاعتزاز كافة ذراته لدى أي منتم إليه من أبنائه وأي تنوع على حساب وحدته هو خيانة له وخيانة لأهله .
* والإسلام ـ بعد كونه عقيدة وديناً لأبناء الوطن حكم علاقتهم بخالق الكون ـ هو هوية ثقافية وحضارية ، هي ماشكلت الوجدان وطبعت ملامح البنى الاقتصادية والاجتماعية والفكرية عبر أحقاب تاريخية طويلة تشكلت خلالها هذه السمات المشتركة من عادات وتقاليد وأعراف وموروث فني وحضاري مشترك يوحد كل المكونات ويربط بينهما برباط متين وبنكهة روحية عميقة خلت ـ ولله الحمد ـ من أي تشظيات مذهبية أو طائفية ... وعلى هذا يصبح الإسلام ـ بهذا المعنى ـ لكون يمنح الهوية الواحدة روحها السرية المتينة .. وتجدر أن تكون كل التنوعات والاجتهادات حريصة على تمتين هذا الرابط الروحي والهوياتي المتين .
* معمر القذافي ، من حيث كونه قائداً لمشروع ثوري تحديثي " ظل الوطن هو منبته وأساسه " وعبر كل هذه المشيرة الملحمية والثرية بالجهد من أجل بناء مجتمع عصري حديث خال من أشكال القهر والاستعباد كما عبرت عنه صرخته صبحة فاتح سبتمبر (1969) عندما كان ينادي كافة أبناء الوطن بأن " هاتوا أيديكم وأنسوا أحقادكم " مبشراً بمجتمع .. " لامظلوم فيه ولا مغبون ، ولا سيد ولا مسيود ، بل إخوة أحرار في ظل مجتمع ترفرف عليه رايات الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية " وكما سعى إلى تجسيده عبر أطروحته النظرية الداعية لمجتمع مشاعية السلطة والثروة والسلاح ، وهي الأطروحة التي تهدف إلى إلغاء أسباب التناحر والصراع في المجتمعات ، بحيث يصبح التنوع في إطارها مصدر ثراء لا إختلاف .
إن معمر القذافي ـ وفق هذا الحال يشكل عامل وحدة يضاف إلى ماسبقه من عاملي " الوطن " و " الإسلام " وهو بهذه الصورة يخرج عن أية محاولة لمصادرته لصالح فئة أو قبيلة أو أي مكون من مكونات المجتمع . إنه للجميع وبالجميع ، معمر القذافي وفق هذا الفهم هو رمز وطني وتاريخي ." لكل مواطن ليبي حصته فيه بالتساوي مع كل أبناء الوطن ، يعصى أن تحتكره مؤسسة أو فئة مهما كان الأساس لعلاقتهما به ، وهو بهذا المعنى سيكون الرمز الذي نجتمع حوله ونحتكم إليه وليست الذي نختلف فيه و نصطرع عليه .
* ووفقاً لكل ماتم تبيانه .. ونحن نخطو نحو احتفالنا بأربعين الثورة .. هل نستطيع أن نقول بأننا بسطورنا السابقة قد طرقنا باب الدعوة لتأسيس ملامح تيار غدنا الزاهي بتنوعاته الثقافية والفكرية التي يجمعها إطار الوحدة الجامعة المانعة والذي عليه نعقد الأمل في المزيد من النمو والتطور لمجتمعنا الحديث ... ذاك مانأمل أن نكون قد فعلناه وما ندعو الجميع إلى إثرائه بالفكرة الناضجة والاجتهاد والرصين بعيداً عن أي منطلق تحزبي أو نزعة تفتيتية
عن صحيفة أويا