عِشْتَ تَيْسًا، وتمـوتُ تَيْسًا
استيقظ التيس من نومه على مأمأة مزعجة لزوجه النعجة، وهي تصرخ في حالة هيستيرية، وتقول له:
- "استيقظ، يا تيسي، قم يا أبا الحِمْلان. مصيبة، مصيبة! "
فتح التيس عينيه، بعد أن أزاح عنهما بقايا القش العالقة بوجهه بهزة من رأسه، وقال:
- "ما لك يا امرأة؟ ما كل هذا الضجيج؟ لقد أزعجتِ الموتى في قبورهم بثغائك؟ "
قالت النعجة، وهي لا تكاد تملك نفسها من الفزع، "مصيبة حلت بنا. لابد أن نهرب الآن. جاءك الموت يا نحيف الذيل. إنها الطامة يا كسير القرن. لقد رأيت الجزار يسن سكاكينه، ويقول لولده إنه سيأتي إلينا الآن ليذبحك. وما أن سمعته حتى هرعت إليك، فما العمل؟ فما العمل؟ "
قال التيس وهو لا يزال مستلقياً على جنبه: "أهذا كل ما في الأمر؟ لقد ظننت أن كارثة نزلت بساحنا. هوِّني عليكِ. ليس هذا بشيء. سأتصرف مع الجزار حين يأتي. فلا تزعجي نفسك."
ملكت الدهشة على النعجة نفسها، وعقدت لسانها، فلم تحر جواباً، وتسمرت مكانها لترى ما سيفعله تيسُها المغوار -الذي أراح رأسه ثانية على الأرض- حين يأتي الجزار.
ولم تمض دقائق معدودة، حتى كان الجزار على باب الزريبة، مشمراً ذراعيه، وفي يده السكين.
رفع التيس رأسه قليلاً وهو ينظر إلى الجزار، وقال له ببربرة متغطرسة: "اسمع يا هذا، إنني لا أعترف بك. فاذهب من هنا ولا تعد، وإلا نطحتك فأرديتك من فورك".
نظرت النعجة في ذهول إلى التيس وقالت بمأمأة يائسة: "يا قصير الذيل، الإنس لا يفهمون بربرة التيوس. وأنت لا قرون لك! أي عدم اعتراف تتحدث عنه يا أبله؟ "
تنبَّه التيس فجأة إلى حقيقة ما قالته النعجة، وقبل أن يتمكن من الرد كان الجزار قد عاجله، فجلس عليه، وأمسك برأسه، وذبحه من وريد لوريد، بلا تسمية، ولا تكبير، وهو يعجب كيف لم يحرك التيس ساكناً، وظل راقداً على جنبه، واكتفى بأن صدرت عنه: "ما .. ما ..ـا ..ا"
قالت النعجة وهي تنظر إلى دم التيس يسيل: "صحيح، عِشْتَ تَيْسًا، ومُتَّ تَيْسًا".