لا أعلم كيف دخلت إلى راسي فكرة حمقاء مفادها:
أن امتنع عن الكتابة ، لا لشئ ، إلا أن أحد الأعضاء قد عرف حقيقة من أكون ، وما جعل هذه الفكرة تنمو في رأسي خوفي الشديد أن أجرح شعور أياً من مسؤولينا الأمينين ، أو أنغص عليه – لا سمح الله - !!
ولأني على يقين بأن الأفكار التي لا تُكتب تهترئ مع مرور الوقت ، ولا تصلح حتى جبنةً لفئران الذاكرة ..
وأن الكتابة التي لا ترى النور ولا بريق الأعين المشدوهة والمتعجّبة .. تموت ، لندفنها في بياض قلوبنا ، حتى تتعفن هذه القلوب من كثر ما دُفن فيها ، وتصاب بغصة في نهاية المطاف – عافاني الله وإياكم من الغصايص –
لهذا .. فقد قررت أن أتخلى عن حمقي الفكري – الفطري – بعد أن تعرضت فكرتي المصونة – أعلاه - للنسف على غير تنسيق أو تخطيط مسبق مني .
وحتى لا أُتهم بــ "الرغي" والتخريف ممن لديهم هواية القفز فوق السطور ونباهةً لاستباق الأحداث ، وحتى لا تذهب الظنون بالبقية الباقة بعيداً. .. فإن ما هشّم الفكرة السخيفة في أسطري الأولى ، وأثبت أن فوق رأسي نتوءات من المتحمل أن تكون بداية قرون – أكرمني الله – ما تم عرضه على القناة الأرضية للجماهيرية .
فقد عرضت القنفوذ – وهو اسم الدلع للقناة - برنامجاً لم أستطع تصنيفه تحت أي نوع من أنواع البرامج يندرج !!! الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو " فش خلئك "، أو ربما تأثير الأزمة المالية العالمية على المواطن !!!
المشكلة أن اسم البرنامج لا يدل من قريب ولا من بعيد على ما عَرض من محتوى !!..
وما سيساعد النتوءات التي سبق ذكرها على البروز بشكل أوضح للعيان ، أن مقدم البرنامج هو الأخر لا علاقة له " لا من غادي ولا من جاي " ... ولا "من لـــقصى ولا من دون " بنوعية مثل هذه البرامج – هذا على اعتبار أن له علاقة بالعمل الإعلامي أصلاً – حسب ما تشهد به سيرته و مسيرته مع صندوق العجب الليبي ، ليبقى هذا المذيع خير دليل على ما عاناه هذا الصندوق في الثمانينات.
لا أدري سبب عرض المادة الإعلامية ولا الغرض منها ؟؟ وهذا راجع ربما إلى فطرتي الفكرية التي لا تفتأ تحاول إثبات إن الإعلام صناعة موجهة لخدمة غرض ما !! علمه من علمه وجهله غبي بالفطرة مثلي.
هذا البرنامج يعرض حالة عائلتين ليبيتين حسب ما توحي بذلك اللهجة ، تعيشان أوضاعاً اقتصادية أقل ما توصف به أنها غاية في السوء ، غير أن الاسوءَ والانكى من كل هذا والذي سيجعل الفتحتين في أعلى رأسك تنفجران بسائل ملحي حار ، أن العائلة الأولي التي تم عرض حالتها لديها "تسعة" أبناء معاقين حرموا من الرعاية الصحية اللازمة لمثل من هم في حالتهم
لا لسبب ، سوى..
أن عائلهم الوحيد ليس أحد رموز الدولة ، ولا يرتبط بهذه الرموز لا عن طريق الـdna ، ولم يُفرّش ولا فرّشهُ أحدهم الدم واللحم ، ولم يكن جاراً ولا "مجروراً" لرمز من هذه الرموز " الغير مفهومة " ، وإنما هو أحد الذين يعملون ليلاً ونهار، وتحت جميع الظروف المعقولة واللا معقولة الجوية منها والنفسية والاقتصادية ، لننعم أنت ، وأنا ، ورموز الدولة بالأمن.
أما العائلة الثانية الاسواء اقتصادياً حسب منظر السقف المظلّع (الزينقو) المزين بخيوط كهربائية مختلفة الألوان ، وغريبة الوصلات ، هي – العائلة يعني - أفضل صحياً ، فلا يوجد لديها سوى طفلة واحدة على كرسي متحرك ، قضت الإعاقة على أحلامها بتقليد مشية الـ "سندريلا" ، وحَرمت الأب من لذة الجلوس بعيداً لتركض نحوه وهو يفتح ذراعيه ويردد "حباااااا"
هذا الأب الذي أقسم أمام الملأ أنه ليبي وأكّد جازماً أنه " ليبي أصلي !!! " وما يثبت ذلك ، أنه لم يتجرأ على النظر في عين الكاميرا، وظل مطرقاً رأسه للأرض وهو يتكلم !!.
لم أفهم الهدف من نشر غسيلنا الاجتماعي وأوضاعنا الاقتصادية البالية وما وصلنا إليه على مرأى الجميع ، وبما أن عدم فهمي صار معروفاً لديكم ولدي أيضاً – بعد أن تحسست أعلى رأسي – ونظراً للبيئة التي ترعرعت فيها ، فقد اعتقدت للحظة – قاتل الله شيطاني – أن مقدم البرنامج قصد التشفي من هذه العائلات..
لولا أن منظر عينيه وهما تجاهدان سائلهما الملحي على عدم الخروج رد هذا الاعتقاد الفاسد.
نية المذيع سليمة ... إذاً ، ربما أراد أن يرى أحد المسؤولين ذلك ، لعل قلبه يحمل فتات رحمة يجود بها عليهم .
ولكن ... من أخبره أن مسؤولينا أو أحدهم على الأقل لا يعلم بمثل هذه العائلات !!..
وهم الذين ، لو عثرت بغلة "حسناء" في مواخير الفنادق أو في تكايا الاستراحات المظلمة لـــ "جابو نباها".
غير أنه ستنتابك الحيرة والشك من جديد ، ويعمل شيطانك بدوام "over time" وتبدأ بالتراجع حول ما ذكرته عن نية المذيع ومعد البرنامج ، عندما يتضح لك أنهم لم يستضيفو أي أحد من المسؤولين أو الرموز ذوي العلاقة بهذا الأمر ..
لتتأسف في النهاية على هذه العائلات التي أراقت ماء وجهها أمام الجميع ، وسمحت لهم بكشف ستر الله عليهم .
ولأنك كنت تظن – وأغلب الظن إثم – أنه سيتم وضع حل لهذه العائلات على الهواء ، بعيداً عن المناشدات والمناقشات والترهات ... إلخ، فإن ظنك سيصبح إثماً وتضطر إلى تغيير القناة والانتقال إلى قناة أخرى ربما لترى هموماً أخرى ، وترهق بصرك بمناظر ألمٍ لا تعنيك كثيراً وتعودت عليها ، رغم قناعتك أن الهمّ همّ .. إلا أن " الهم فيه ما توازي " ولا يتطلب الأمر سوى ضغطة على رأس زر لا يحمل نتوءات.
تخبرك فرح البرقاوي بأن أسعار " الزفت " في تدني مستمر ، وأنها فقدت أكثر من 50% من قيمتها في أقل من شهر بعد أن وصلت إلى 150 دولار للبرميل .
وعلى " طاري " الــ 150 دولار.. والزفت بالزفت يُذكر ، فإن احدهم ربما يلبس بدلةً بثلاثة أضعاف هذا المبلغ ، أي حوالي أربع براميل زفت ، فيما لا يجد أحد الأبوين شيئاً في قعر البرميل ليشتري به دواءً لأحد التسعة ، للـ سندريلا الصغيرة.
.
.
كم أتمنى أن تفقد هذه البراميل قيمتها ما دامت لا تضع حداً لمآسينا وأوجاعنا المتكررة
وما دامت تساهم كلما زاد سعرها في اتساع الكروش الأخرى ..
وما دام الوطن يقذف بعوائد دولاراتها في الهواء ، فما وقع على الأرض فهو لمسؤوليه وأمنائه ، وما بقى في الهواء فهو لباقي الأشياء الأخرى التي يحملها على ظهره وهي تدوسه جيئةً وذهاباً المسماة " مواطنين".
لم يبقى أمامي سوى أن أتحسس رأسي ، وأربط قروني ببعضها , و.... أناااااااااام.
وإلى اللقاء على مائدة وطنية أخرى للألم ... وهمّ أخر ..
ووطن أعرج ، وأعور ..
يرتاح عند حسابات المسؤولين ، ولا يرى أبعد من كروشهم.