على رأس الكاشيك ...

منذ ألف يوم و أنا أنتظر الغد ، ليبيا الغد ، و منذ ألف يوم و أنا أنام باكراً لأستيقظ الأول في كل غدٍ متخلصا من اليوم بأسرع وقت ممكن ، فالغد أشبه بيوم عيد نتلهف لحلوله ، و اليوم أشبه بيوم عطلة ممل لا نقوم فيه بشيء سوى انتظار الغد !..

اليوم هو يومي الألف و واحد ، و على وجبة الغداء ، حيث كل شيء طبيعي ، أفكر في ألفِ غدٍ صارت أمساً ، و أقوم بهدم بناء الأزر -الذي حرصت أمي على بناءه- في طبقي " برأس الكشيك ، بينما ينهار الآخر بلا ضجيج ، بلا ضحايا ، تمثيلية عمرانية متواضعة بطلها "كاشيك" فضي اللون يتقمص دور كاشيك برتقالي من نوع آخر ، يمتثل لأوامري لتطبيق المخطط المرسوم لحظياً و من إبداعي المتواضع كذلك ..

يقاطعني صديقي أسامة هاتفياً ليسأل عن الأحوال ، و ليفيدني بآخر أخبار قلقهم الإجتماعي ، محصيا عدد إشارات " هدم لتطبيق المخطط " التي تحولت إلى حروف متقطعة موزعة على أحجار منفصلة بعضها عن بعض في تشكيلةٍ عشوائيةُ الترتيب مدروسة التراكم ، بعد أن مر عليها رأس الكاشيك البرتقالي محولاً البناء ما إلى ما يشابه الكعكة التي شوه طفل مظهرها بقضم أحد أطرافها بطريقة عشوائية و غير حضارية أو ناضجة !..

صديقي أسامة شاب ذكي يسكن الهضبة الشرقية ، في شارع قرروا "هؤلاء" بأنه سَيُعبَّد ، ليعترف لي بعد انقطاعي الطويل عنه أن قرار تخطيط صحن الأرز .. أقصد المنطقة قد تغير قليلاً لتكون مهمة مسح المنطقة ضرورية بما في ذلك نصف تعبيد الشارع ذاك ، يحاكيني أسامة ضاحكاً و ليس هيستيريا فهذا ليس أكثر ما يقلقه ، فهو يؤيد حركة التطوير العمراني و جداً ، يؤمن بالتغيير ، و هو راضٍ عن المبلغ البائس الذي أستلمته عائلته كتعويض لن يسكنهم إلا في "خلة الفرجان" .. تلك الهضبة الشرقية الجديدة بكامل مخالفاتها العمرانية السابقة " و التي لا بد أن تزين بالأحمر يوماً " هي الأخرى !..

أما أكثر ما يقلقه هو الإنجاز الذي قدمته اللجنة المختصة و التي قدمت " مسكن بدل لا شيء " للأخوة تجار المخدرات و متعاطيها و للمخامير و للحشاشة و أبناء الحرام و الأفارقة المجهولي الهوية الذين أتخذوا من المباني المقضومة الركن و غير مكتملة الهدم ملاهٍ ليلية لهم خصوصاً مع توفر المناخ المناسب ، ظلام دامس و هدوء تام و ضيق المساحة ، بإختصار .. كل ما يلزم لهم و لأي فطريات آخرى !! و حدوث بعض حوادث الإغتصاب و النهب و الإعتداءات أمر قد لا أحتاج إلى تأكيده أو تدليله أو تفصيله بناء على صورة ما سلف ..

سيدي الكاشيك ، كل ما أقترحه من على طاولة الأكل و فوق ركام الأرز الذي أمامي .. هو أن يصفع أحدهم جبهته بباطن كفه ليقول .. تباً .. التطوير العمراني يقصر الأعمار بينما يشدد الإعمار ، و البناء ليس بالضرورة الأفضل للأبناء ، و أن المهندس يرسم و يخطط على خرائط لا أثر فيها لأي روح بشرية .. و أن وجود طاقم إنساني يهندس البناء الإنساني و الإجتماعي أكثر ضرورة ، و أنْ لا جدوى أو هدف من التطوير العمراني إذا لم يكن لصالح تلك الفتاة المغتصبة ، أو راقد الريح ذاك الذي سكن مهب الريح !!..

أرجوا أن تعذروا تخاريفي التي أحاول بها أن أصرف نظري عن طبق الأرز الذي لطالما كرهته و أن تعذروا عمري الذي لم يتجاوز الربع قرن !..